سوق العمل والدعم الفني

مدونة سوق العمل والدعم الفني

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي(1)

من درر العلامة ابن القيم عن الذنوب والمعاصي(1)


فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالذنوب والمعاصي من المواضيع التي تكلم عنها العلامة ابن القيم رحمه الله في عدد من كتبه، وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
الذنوب تزيل النعم:
الذنوب تزيل النعم ولا بد، فما أذنب عبد ذنبًا إلا زالت عنه نعمة من الله بحسب ذلك الذنب، فإن تاب وراجع رجعت إليه أو مثلها، وإن أصرَّ لم ترجع إليه، ولا تزال الذنوب تزيل عنه نعمةً نعمةً حتى يُسلَب النعم كلها، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، وأعظم النعم الإيمان، وذنبُ الزنا والسرقة وشرب الخمر وانتهاب النهبة تزيلها وتسلبها.
وبالجملة فإن المعاصي نار النعم تأكلها، كما تأكل النارُ الحطب، عياذًا بالله من زوال نعمته وتحويل عافيته.
جميل الوجه كلما ازداد من المعاصي فإنه كلما كبر ازداد وحشة وظلمًا وقبحًا:
جميل الوجه إذا لم يصن جماله وحسنه، وبذله وتبذل به، فإنه كلما كبر وطعن في السن ازداد وحشةً وظلمةً وقبحًا، وكلما ازداد من الفواحش والمعاصي ازداد حتى تكسف ظلمة المعصية شمس حسنه، وتخسف قمرها، ويعلو قبحها وسوادها الجمال الصوري، فتراه في السن لا يزاد إلا قبحًا ووحشةً ونفرةً عنده.
تنكُّر الأرض والنفس والأهل والولد للمذنب:
قول كعب رضي الله عنه: "حتى تنكرت لي الأرض، فما هي بالتي أعرف" هذا التنكرُ يجده المذنب العاصي بحسب جرمه حتى في خُلُق زوجته وولده وخادمه، ودابَّته، ويجده في نفسه أيضًا، فتتنكَّر له نفسه حتى ما كأنه هو، ولا كأن أهله وأصحابه ومن يُشفقُ عليه بالذين يعرفهم، وهذا سرٌّ من الله لا يخفى إلا على من هو ميت القلب، وعلى حسب حياة القلب، يكون إدراك هذا التنكر والوحشة، و"ما لجرح بميت إيلام".
من هان على الله جل جلاله خلَّى بينه وبين معاصيه:
الرب سبحانه...يؤدِّبُ عبده المؤمن الذي يُحبهُ وهو كريم عنده بأدنى زلة وهفوة، فلا يزال مستيقظًا حذرًا، وأما من سقط من عينه وهان عليه، فإنه يخلي بينه وبين معاصيه، وكلما أحدث ذنبًا أحدث له نعمة، والمغرور يظن أن ذلك من كرامته عليه، ولا يعلم أن ذلك عينُ الإهانة، وأنه يريد به العذاب الشديد، والعقوبة التي لا عاقبة معها، كما في الحديث المشهور: ((إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا عجَّل له عقوبته في الدنيا، وإذا أراد بعبدٍ شرًّا أمسك عنه عقوبته في الدنيا، فيرِدُ يوم القيامة بذنوبه)).
المعاصي توجب الهم والخوف والحزن:
المعاصي تُوجب الهم والغم والخوف والحزن وضيق الصدر وأمراض القلب، حتى إن أهلها إذا قضوا منها أوطارهم، وسئمتها نفوسهم ارتكبوها دفعًا لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم والغم....وإذا كان هذا تأثير الذنوب والآثام في القلوب، فلا دواء لها إلا التوبة والاستغفار.
الذنوب تضعف القلب وتهلكه:
الذنوب للقلب بمنزلة السموم، إن لم تهلكه أضعفته ولا بُدَّ، وإذا ضعفت قوته لم يقدر على مقاومة الأمراض.
ذنوب العباد تحدث لهم الفساد العام والخاص:
لم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام والأمراض والأسقام والطواعين والقحوط، والجدوب، وسلب بركات الأرض وثمارها ونباتها وسلب منافعها أو نقصانها أمورًا متتابعة يتلو بعضها بعضًا.
وكلما أحدث الناس ظلمًا وفجورًا أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم وأهويتهم ومياههم، وأبدانهم وخلقهم، وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات، ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم.
لقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكبر مما هي اليوم [في القرن الثامن الهجري] كما كانت البركة فيها أعظم.
وأكثر هذه الأمراض والآفات العامة بقية عذاب عُذِّبت به الأمم السابقة، ثم بقيت منها بقية مرصدة لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم، حكمًا قسطًا، وقضاء عدلًا.
وجعل ظلم المساكين والبخس في المكاييل والموازين وتعدي القوي على الضعيف سببًا لجور الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استرحموا، ولا يعطفون إن استعطفوا، وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صور ولاتهم، فإن الله سبحانه بحكمته وعدله يُظهرُ للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها، فتارة بقحط، وتارة بعدو، وتارة بولاة جائرين، وتارة بأمراض عامة، وتارة بهموم وآلام وغموم...وتارة بتسلُّط الشياطين عليهم...وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم...والعاقل يسير بصيرته بين أقطار العالم فيشاهده.
فضول الطعام والكلام والنظر تولد أكثر المعاصي:
فضول الطعام داعٍ إلى أنواع كثيرة من الشَّرِّ، فإنه يُحركُ الجوارح إلى المعاصي، ويثقلها عن الطاعات، وحسبك بهذين شرًّا! فكم من معصية جلبها الشبع وفضول الطعام، وكم من طاعة حال دونها، فمن وقي شرَّ بطنه فقد وقي شرًّا عظيمًا.
أكثر المعاصي إنما تولدها من فضول الكلام والنظر، وهما أوسع مداخل الشيطان، فإن جارحتيهما لا يملان ولا يسأمان...فلو تركا لم يفترا من النظر والكلام، فجنايتهما مُتسعةُ الأطراف، كثيرة الشعب، عظيمة الآفات.
https://ift.tt/nRB7qWp

عن الكاتب

هجير الصمت

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

سوق العمل والدعم الفني