سوق العمل والدعم الفني

مدونة سوق العمل والدعم الفني

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

من درر العلامة ابن القيم عن النعم(1)

من درر العلامة ابن القيم عن النعم(1)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالنعم من الموضوعات التي تكَلَّم عنها العلَّامة ابن القيم رحمه الله في عدد من كتبه، وقد جمعتُ بفضلٍ من الله وكرمه بعضًا مما ذكره.
من أعظم نعم الله على العبد: صحة الفهم، وحسن القصد:
صحةُ الفهم وحسنُ القصد من أعظم نِعَم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أُعطي عبد عطاءً بعد الإسلام أفضل ولا أجلَّ منهما، بل هما ساقا الإسلام، فقيامه عليهما، وبهما باين العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدُهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومُهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسُنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم.
شكر النعم المستمرة والمتجددة:
النعم نوعان: مستمرة ومتجددة: فالمستمرة شكرها بالعبادات والطاعات، والمتجددة شُرِع لها سجود الشكر، شكرًا لله عليها، وخضوعًا له وذلًّا، في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها، وذلك من أكبر أدوائها، فإن الله لا يحبُّ الفرحين ولا الأشرين، فكان دواء هذا الداء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين، وكان في سجود الشكر من تحصيل هذا المقصود ما ليس في غيره.
ما يسلبُ النعم:
ما سلبت النعم إلا بترك تقوى الله، والإساءة إلى الناس.
المقايسة بين نعمة الله على العبد وجناية العبد:
قال صاحب المنازل رحمه الله: المحاسبة لها ثلاثة أركان:
أحدها: أن تقيس بين نعمته وجنايتك.
يعني: تقايس بين ما مِنَ الله وما منك، فحينئذٍ يظهر لك التفاوتُ، وتعلمُ أنه ليس إلا عفوه ورحمتهُ، أو الهلاك والعطب، وفي هذه المقايسة تعلم أنَّ الربَّ رب والعبد عبد، ويتبين لك حقيقة النفس وصفاتها، وعظمة جلال الربوبية، وتفرد الرب بالكمال والإفضال، وأن كلَّ نعمة منه فضل، وكلَّ نقمة منه عدل، وأنت قبل هذه المقايسة جاهل بحقيقة نفسك وبربوبية فاطرها وخالقها، فإذا قايست ظهر لك أنها منبع كلِّ شرٍّ، وأساس كل نقص، وأن حدها الجاهلة الظالمة، وأنه لولا فضلُ الله ورحمته بتزكيته سبحانه ما زكت أبدًا، ولولا هداه ما اهتدت، ولولا إرشاده وتوفيقه لما كان لها وصول إلى الخير البتة.
نعمة الله على العبد فيما يكرهه أعظم من نعمته فيما يحبُّه:
لجهل العبد وظلمه لا يعدُّ العطاء والنِّعمة والعافية إلا ما التذَّ به في العاجل، وكان ملائمًا لطبعه، ولو رزق من المعرفة حظًّا وافرًا لعدَّ نعمة الله فيما يكرهه أعظم من نعمته فيما يحبُّه، وقد قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]
وقال بعض العارفين: ارض عن الله في جميع ما يفعله بك، فإنه ما منعك إلَّا ليُعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا أمرضك إلا ليشفيك، ولا أماتك إلا ليحييك، فإياك أن تفارق الرضا عنه طرفة عين فتسقط من عينه.
أعظم النعم:
من لم ير نعمةَ الله عليه إلا في مأكله وملبسه وعافية بدنه وقيام وجهه بين الناس، فليس له نصيب من هذا النور البتة، فنعمةُ الله بالإسلام والإيمان وجذب عبده إلى الإقبال عليه، والتنعُّم بذكره، والتلذُّذ بطاعته هو أعظم النِّعَم، وهذا إنما يُدرك بنور العقل وهداية التوفيق.
التفريق بين النعمة التي يراد بها الإحسان والنعمة التي يراد بها الاستدراج:
وأما تمييزُه النعمة من الفتنة، ليفرِّق بين النعمة التي يُراد بها الإحسان واللطف، ويُعانُ بها على تحصيل سعادته الأبدية، وبين النعمة التي يراد بها الاستدراج، فكم من مستدرج بالنعم وهو لا يشعر، مفتون بثناء الجهال عليه، مغرور بقضاء الله حوائجه وستره عليه! وأكثرُ الخلق عندهم أن هذه الثلاثة علامةُ السعادة والنجاح ﴿ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ [النجم: 30].
لا يغير الله نعمه التي أنعم بها على عباده حتى يُغيروا طاعته بمعصيته:
قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، فدلالة لفظها أنه لا يغير نعمه التي أنعم بها على عباده حتى يُغيروا طاعته بمعصيته، كما قال في الآية الأخرى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال: 53].
وإشارتها أنه إذا عاقب قومًا وابتلاهم، لم يغير ما بهم من العقوبة والبلاء حتى يغيروا ما بأنفسهم من المعصية إلى الطاعة كما قال العبَّاس عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة)).
https://ift.tt/ywSDn9K

عن الكاتب

هجير الصمت

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

سوق العمل والدعم الفني